الشعر هو لسان الأمة ومرآة ثقافتها وصورة واقعها، والأمم الحیّة هی التی تحیی إبداعات مبدعیها، وتتغنّى بما قدّموه، وتخلّد ما أضافوه، وهذا ما یلحظه الناقد المتابع لحرکةَ الإبداع فی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.
ولا ینکر أحدٌ أنّ الشعر الفارسی قد وصل إلى العالمیة، وترجم إلى معظم لغات العالم، فنهلت العربیة من عظمة شعر جلال الدّین الرومی الشیء الکثیر، وترجمت مؤلفات حافظ الشیرازی إلى الإنکلیزیة والفرنسیة والألمانیة والعربیة، ودوّنت أشعار سعدی الشیرازی على جدران الأمم المتحدة، إذ عدّ مدرسةً قائمة بذاتها، و أباً للنثر الفارسیّ، لذلک تأهل لیکون رمزاً للمحبّة الإنسانیّة، واستحقّ أن یزیّن مدخل مقرّ الأمم المتّحدة فی نیویورک بأبیاته الشهیرة التی تدعو إلى الإخاء والمحبة والألفة والاتّحاد؛ یقول فی مطلعها:
الناس کالأعضاء فی التعاضد
لخلقهم کنه من طین واحد
إذا اشتکى عضوٌ تداعى للسّهر
بقیّة الأعضاء حتّى یستقرّ
الادب الفارسی
یعتبر الادب الفارسی من اعظم المدارس الأدبیة فی العالم ویعد الشعراء الایرانیون کفردوسی وسعدی وحافظ وجلال الدین الرومی والخیام من اعظم الشعراء على مر التاریخ وقد امتزج هذا الادب بالادب العربی فأثر به وتأثّر منه والیوم بمناسبة الیوم الوطنی للادب والشعر الفارسی یکون لنا اطلالة على هذا الموضوع.
الأدب الفارسی ظهر إلى الوجود فی القرن التاسع المیلادی، وبخاصة فی الجزء الشمالی الشرقی من إیران، بظهور اللغة الفارسیة الحدیثة.
وأقدم الأسماء التی یطالعنا بها هذا الأدب هی أسماء الرُّودَکی الذی یُلقَّب بـ "أبی الشعر الفارسی"، و "دقیقی" الذی نظم ملحمةً تغنّى فیها بمآثر أبطال الفرس الأسطوریین، والفردوسی صاحب "الشاهنامة" (أو "کتاب الملوک").
وبعد هذه الطبقة من الشعراء ظهرت طبقة أخرى لا تقلّ عنها شأناً وأثراً. ومن نجوم هذه الطبقة فرید الدین العطار، وکان شاعراً صوفیاً، ومولانا جلال الدین المولوی الذی یُعتبر أعظم شعراء الحب الإلهی عند الایرانیین، وکذلک "سعدی الشیرازی"، و "حافظ الشیرازی"، و "عمر الخیام" الذی اشتهر برباعیاته التی ترجمت إلى معظم لغات العالم، و "نظامی" الذی یُعتبر أعظم الشعراء الرومانتیکیین فی الأدب الفارسی.
شهریار
وتستمرّ قافلة المبدعین الإنسانیین لیقف قطار الإبداع عند محمد حسین شهریار الذی یوافق یوم وفاته فی الثامن عشر من أیلول الیوم الوطنی للشعر والأدب الفارسی.
محمد حسین بهجت تبریزی المعروف بـ "شهریار" أمیر الأدب والشعر الإیرانی المعاصر، وقد تفتّحت قریحته الشعریّة على سفوح جبل "حیدر بابا"، هذا الجبل الذی ألهمه قصیدته الرائعة "حیدر بابایه سلام"، وهو فی سنته الرّابعة عشرة.
لقّب نفسه باسم "بهجت"، وعندما انتقل إلى طهران حظی باهتمام وإطراء شدیدین من قبل النقاد الإیرانیین؛ إذ صنّفته جامعة تبریز من حرّاس الشّعر.
یتسّم أسلوبه بالکلاسیکیّة، وتوصف صوره بأنّها موحیة یغلب علیها التجدید، ویوسم خیاله بالخصوبة والتحلیق.
خلّف الرجل دیواناً شعریاً ضمّ (15) ألف بیتٍ شعریّ، وتوفّاه الله فی الثامن عشر من أیلول عام (1987م)، ودفن فی مقبرة الشعراء بتبریز، إلى جانب عظماء الشعر الفارسیّ.
وتکریماً لمکانته الرفیعة بادر المجلس الأعلى للثورة الثقافیة إلى إطلاق اسم الیوم الوطنی للشعر والأدب على یوم وفاته.