محمد حسین جعفریان
تعریب: موسى بیدج
إشتهر جعفریان بقصائده النثریة المطولة و أفلامه الوثائقیة عن الحروب المحلیة فی أفغانستان و طاجیکستان و البوسنة و کوسوفو و باکستان و کشمیر و العراق و لبنان و غیرها من المناطق الملتهبة. و قد أخرج فیلما عن حیاة القائد الأفغانی أحمد شاه مسعود. إضافة الى الأفلام الوثائقیة، أصدر جعفریان تألیفات متعددة فی الشعر و النثر منها: على هامش الشطّ، و شبابیک مطلّة على البحر، و صرخة خلف نافذة العالم، و أکتاف بامیر الجریحة، و فی عاصمة النسیان.
أناس صغار نعرفهم
یسقط الألبوم عن الرف
و تمتلئُ الغرفة فجأة
بأناس صغار نعرفهم
وبإزدحام و ضجیج
**
أنا وحید
عزفی جمیل و نحیبی
لکنهم لا یسمعون
و لا یرون
**
نحن قتلة مخلّصنا
قتلناه کی نلهو
فی شارع فخم
و لیلة شتویة
لم یتسنى له أن یمرق الى بیت
و تجمّد على الرصیف
کانت المکتبات تکتظ بإسمه
و کان غالبا ما ینام فی ساحات المدینة تحت نصبه
وحیدًا و جائعًا
**
برأیی؛ الزمن مسرحیّة کبیرة
تعرض على مسرح عظیم لا أدری أین
و المخرج عطوف و عنیف
البیوت و الشوارع کذبة
الآمال و الحبّ
و القارات
و الکلمات أکاذیب
و المرض و الموت، حتى
لعلّها تتغیّر
لعلّها تغیب، لعلّها...
فالأکلات و الأکاذیب، حقیقة لا غیر
کل صباح
تکتظّ الشوارع بالممثلین
و تفرغ منهم کل مساء
و سأضطرّ أن أکرّر
نحن قتلة مخلّصنا
قتلناه کی نلهو
و کی نستریح
و من أجل إشباع الفضول
أرسلنا الى شرایینه بدل الدم هواء
فی مستشفى حدیثة
و دفنناه بین الحروف و الأصوات
و فی الفنون
قتلناه بین شقوق الاسمنت
على نصب عالٍ
فی ساحة عظیمة.
إعتراف
ضغط على الجبل الذی بین قبضتیه ثانیةً
فذاب
فسکبه فی کأس ظمآنة
فانتشر مرّة أخرى
و خلق من السهول الجرداء غابةً
و حدّق بالحدیقة القابعة على السجّادة العتیقة
بهجوم الورود و السیقان المتسلقة الحیّة
و أنغام البلابل الفرحة المتلهفة
لکن الصوت المقابل صاح به ثانیة:
فذاب ثانیة
و ملأ ذوبانه الغرفة
و هربت أفواج الأسماک الملوّنة
من فم النافذة
إلى حنجرة الروضة المصابة بالجفاف
و لکن الصوت المقابل أطبق جفنیه
مبللا و خائفا قائلا:
قلها فقط
**
و لکن وا أسفًا
کان الرجل الأبکم میتا.
کل شیء تخلف
تارةً
أفکّر أن الموت لیس بهذا السوء
لأن ذلک الکوخ الکبیر
و الوحید
و المقیم فی الثلج
أصبح لا یطیق إبتعادی.
**
تارة أفکّر أن الموت لیس بهذا السوء
و على الأقل فأنه سینجینی من
تناول هذه السَلَطات الکریهة الرائحة
و من رؤیة هؤلاء الأناس الصغار و الوحیدین
و من رؤیة ضابط المرور العبوس و المکتظ
بأوراق الجزاء
و من رؤیة ساحة الحریة الهرمة
و هذه الکتب و البنادق التی لا یشتریها أحد
و یخلصنی من الحزن على هذا الطیر التائه
و صراخه الدامی بین أقواس أبراج «اکباتان»
**
تارةً
أفکّر أن الموت لیس بهذا السوء
فعندما أنقر على الطابعة؛
سلاما!
یُکتب على الورق؛
وداعا!
و حین أسأل
لِمَ یسقط کل شیء؟
فیسمعون
بیتزا الکمأة و صوص الخردل من فضلک!
حین لا یکون المطر جمیلا
و تکون الحبیبات عادیات
حین لا تکون المقبرة شاعریة
و مدینة بابلسر کأی مدینة أخرى
و حین أهرم و لست قادرا
على حمل قاذفة الصواریخ
و الحرب مستمرة.
**
صعدت
صعدت الى الأعلى
لکن کل شیء تخلّف فی الأسفل
و الآن تعذبنی فکرة القفز من الطبقة التی أقیم فیها
و الآن یخیل لی أن شریط النقالة دارت بی
و قربتنی من قسم التشریح
و من تلک المجموعة الجمیلة
یجب أن ینسى قسم منها
و یخصص قسم لإصداره الى المصانع الکبرى
و قسم للقمامة
و یستخدم مقادیر منها
فی صناعة المعلبات
و هنا ینتهی عمر المجموعات...
**
قفل الحقیبة الهرمة یسقط فی الدهلیز
و تتبعثر الثیاب
التقط معطفی المطری لأعلقه على الشماعة
و مثل مندیل الساحر
یسقط منه
عددا من الحمام، باقة من الورد
شموعا و أقداحا
و لکن آهٍ
فالحمامات میتة
الورود ذابلة
الشموع منطفئة
و الأقداح مفطورة.
**
أعود الى غرفتی
التی صارت جغرافیا لوحدتی
العقارب تهبط بتأن من ساعة الحائط الکبیرة
تهجم علیّ أولا
ترید أن تلدغنی
و بعدها تندم
فنحتسی الشای مع بعض
و نتحدث عن ذکریات الطفولة...
و بالتالی
هم کذلک ینامون معی بالقرب من المدفأة الملتهبة
لا أدری متى،
أفیق
أحدّق فی عقربة الثوانی
و هی الأجمل نائمة
و أفکر بطفولتی
**
أقترب من النافذة
أسحب الستارة جانبا
آه، ما زال الوقت کما کان
صباحا تارة و تارة مساء.