سؤال یطرح نفسه من الصباح الى المساء، وفی رحلة الصیف والشتاء: إلى أین وصل بنا الشعر؟ ما هی صفاته، مناخاته، فضاءاته، طقوسه، کیف یخوض معرکته التحرریة ضد الجهوزیة والقولبیة التی تحوّل حیاة الانسان من طائر فی السماء الى صورة طیر فی إطار؛ کیف یتسنى له أن یرسم البسمة فی عالم ملىء بالنحیب، کیف یمکن له أن یتحدى التعاریف التی ترید أن تجعل منه موظفاً فی دائرة العیش، یعدو وراء الباصات ویستهلک طاقاته لإرضاء مدیره ویستنزف لهیبه وشرارته فی إشعال عود ثقاب ولیس إضاءة دهالیز العتمة فی الروح البشریة؛ کیف تستطیع القصیدة بأمطارها الناعمة، أن تُطفىء حرائق الغابات الشاسعة، والمدن الصاخبة التی تحکمها الناطحات والسیارات؟ کیف، وکیفات أخرى لا حصر لها تجول فی أزقة فکر شعراء الشرق وتأخذ بنواصیهم الى البراری الموحشة لیعودوا منها إما مجانین، کمجنون بنی عامر یُقسم ألا یفتح عینیه إلا على لیلاه دون البشر. أو شبه أنبیاء یحملون وصایاهم الشعریة الى قوم لا یتلکؤن فی قتل ناقاتهم، کصالح فی ثمود أو کما یقتل راعی البقر حصان الهندی الأحمر إستفزازاً له کی یعترضه لیصوّب نحوه بحجة الدفاع عن النفس والنفیس من المدنیة والعولمة التی جعلت من الانسان فرداً لا یتعدى فکره حتى الى أخیه الذی یجلس جنبه فی الدائرة والسرفیس والمطعم والسینما ومجالس العرس والعزاء.
هذه أسئلة الشعراء کافة، من شرق الى غرب المعمورة الملبّدة بغیومٍ من الأمواج الفضائیة والأرضیة السلکیة واللاسلکیة. وهناک سؤال آخر یطرحه الشعراء العرب ویحتل حیزاً من مساحة ذاکرتهم الشعریة التاریخیة التی تضم فی ملفاتها وطیاتها أسماءً لامعة فی سماء القصیدة الایرانیة. سؤال لعله مُلِّح وهو:
أین وصل بکم الشعر الایرانی؟ هذا ما طرحه علینا شعراء کبار على الساحة الشعریة العربیة شعراء، دفنت أجسادهم فی أرض القصیدة وحلقت أرواحهم فی سمائها، شعراء إفتقدناهم ونعیش معهم فی نتاجاتهم الغنیة، ومنهم محمد مهدی الجواهری، عبدالوهاب البیاتی، محمد القیسی، حسن البحیری، فوّاز عید؛ وکذلک شعراء آخرون أطال الله بأعمارهم جاءوا لزیارة بلد حافط وسعدی والمولوی والفردوسی والعطار وخیام النیسابوری ومنهم، سمیح القاسم، مظفر النواب، محمد علی شمس الدین، شوقی بزیع وأخرهم کان أدونیس الذی جاء فی السنة الماضیة وطرح السؤال نفسه أمام جمع غفیر من الشعراء الایرانیین فی قاعة "بیت الشعراء" وکان السؤال هذه المرة بالصیغة التالیة:
لنرى ماذا فعل أحفاد حافظ الشیرازی بالقصیدة.
إذن؛ السؤال مُلِّح نوعاً ما، وهنا ترى مجلة شیراز أنها المعنیة الأولى للوصول الى صیغة جواب ما. ولکن المجلة بشکلها المتواضع وإمکانیاتها المحصورة فی الاختصار الشدید، لا تدعی أنها ستجیب على السؤال الذی یتکلم عن موضوع یناهز عمره القصیدة الحدیثة. فالإجابة ستحاول أن تشیر إجمالاً الى المحطات المهمة التی حرکّت القصیدة الحدیثة ودفعت بها نحو الامام. وهذا سیأخذ بنا لتخصیص دراسات نبتدئها فی هذا العدد ونستمر بها فی الأعداد القادمة.
رئیس التحریر موسى بیدج